فصل: وفاة المقتفي وخلافة المستنجد وهو أول الخلفاء المستبدين على أمرهم من بني العباس عند تراجع الدولة وضيق نطاقها ما بين الموصل وواسط والبصرة وحلوان.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة المقتفي وخلافة المستنجد وهو أول الخلفاء المستبدين على أمرهم من بني العباس عند تراجع الدولة وضيق نطاقها ما بين الموصل وواسط والبصرة وحلوان.

ثم توفي المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر في ربيع الأول سنة خمس وخمسين لأربع وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وهو أول من استبد بالعراق منفردا عن سلطان يكون معه من أول أيام الديلم فحكم على عسكره وأصحابه فيما بقي لمملكتهم من البلدان بعد استبداد الملوك في الأعمال والنواحي ولما اشتد مرضه تطاول كل من أم ولده إلى ولاية ابنها وكانت أم المستنجد تخاف عليه وأم أخيه علي تروم ولاية ابنها واعتزمت على قتل المستنجد واستدعته لزيارة أبيه وقد جمعت جواريها وآتت كل واحدة منهن سكينا لقتله وأمسكت هي وابنها سيفين وبلغ الخبر إلى يوسف المستنجد فأحضر أستاذ دار أبيه وجماعة من الفراشين وأفرغ السلاح ودخل معهم الدار وثار به الجواري فضرب إحداهن وأمكنها فهربوا وقبض على أخيه علي وأمه فحبسهما وقسم الجواري بين القتل والتغريق حتى إذا توفي المقتفي جلس للبيعة فبايعه أقاربه وأولهم عمه أبو طالب ثم الوزير عون الدين بن هبيرة وقاضي القضاة وأرباب الدولة والعلماء وخطب له وأقر ابن هبيرة على الوزارة وأصحاب الولايات على ولايتهم وأزال المكوس والضرائب وقرب رئيس الرؤساء وكان أستاذ دار فرفع منزلته عبد الواحد المقتفي وبعث عن الأمير ترشك سنة ست وخمسين من بلد اللحف وكان مقتطعا بها فاستدعاه لقتال جمع من التركمان أفسدوا في نواحي البندنيجين فامتنع من المجيء وقال: يأتيني العسكر وأنا أقاتل بهم فبعث إليه المستنجد العساكر مع جماعة من الأمراء فقتلوه وبعثوا برأسه إلى بغداد ثم استولى بعد ذلك على قلعة الماهكي من يد مولى سنقر الهمذاني ولاه عليها سنقر وضعف عن مقاومة التركمان والأكراد حولها فاستنز له المستنجد عنها بخمسة عشر ألف دينار وأقام ببغداد وكانت هذه القلعة أيام المقتدر بأيدي التركمان والأكراد.

.فنتة خفاجة.

اجتمعت خفاجة سنة ستة وخمسين إلى الحلة والكوفة وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وكان مقطع الكوفة أرغش وشحنة الحلة قيصر وهما من مماليك المستنجد فمنعوهما فعاثوا في تلك البلاد والنواحي فخرجوا إليهم في أثرهم واتبعوهم إلى الرحبة فطلبوا الصلح فلم يجبهم أرغش ولا قيصر فقاتلوهم فانهزمت العساكر وقتل قيصر وخرج أرغش ودخل الرحبة فاستأمن له شحنتها وبعثوه إلى بغداد ومات أكثر الناس عطشا في البرية وتجهز عون الدين بن هبيرة في العساكر لطلب خفاجة فدخلوا البرية ورجع وانتهت خفاجة إلى البصرة وبعثوا بالعدو وسألوا الصلح فأجيبوا.

.إجلاء بني أسد من العراق.

كان في نفس المستنجد بالله من بني أسد أهل الحلة لفسادهم ومساعدتهم السلطان محمد في الحصار فأمر يزدن بن قماج بإجلائهم من البلاد وكانوا منبسطين في البطائح فجمع العساكر وأرسل إلى ابن معروف فقدم السفن وهو بأرض البصرة فجاءه في جموع وحاصرهم وطاولهم فبعث المستنجد يعاتبه ويتهمه بالتشيع فجهز هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء فاستسلموا وقتل منهم أربعة آلاف ونودي عليهم بالملا من الحلة فتفرقوا في البلاد ولم يبق بالعراق منهم أحد وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف.

.الفتنة بواسط وما جرت إليه.

كان مقطع البصرة منكبرس من موالي المستنجد وقتله سنة تسع وخمسين وو ولى مكانه كمستكين وكان ابن سنكاه ابن أخي شملة صاحب خوزستان فانتهز الفرصة من البصرة ونهب قراها وأمر كمستكين بقتاله فعجز عن إقامة العسكر وأصعد ابن سنكاه إلى واسط ونهب سوادها وكان مقتطعها خلطوا برس فجمع الجموع وخرج لقتاله واستمال ابن سنكاه الأمراء الذين معه فخذلوه وانهزم وقتله ابن سنكاه سنة إحدى وستين ثم قصد البصرة سنة اثنتين وستين ونهب جهتها الشرقية وخرج إليه كمستكين وواقعه وسار ابن سنكاه إلى واسط وخافه الناس ولم يصل إليها.

.مسير شملة إلى العراق.

سار شملة صاحب خوزستان إلى العراق سنة اثنتين وستين وانتهى إلى قلعة الماهكي وطلب من المستنجد إقطاع البلاد واشتط في الطلب فبعث المستنجد العساكر لمنعه وكتب إليه يحذره عاقبة الخلاف فاعتذر بأن إلدكز وربيبه السلطان أرسلان شاه أقطعا الملك الذي عنده وهو ابن ملك شاه بلاده البصرة وواسط والحلة وعرض التوقيع بذلك وقال أنا أقنع بالثلث منه فأمر المستنجد حينئذ بلعنه وأنه من الخوارج وتعبت العساكر إلى أرغمش المسترشدي بالنعمانية وإلى شرف الدين أبي جعفر البلدي ناظر واسط ليجتمعا على قتال شملة وكان شملة أرسل مليح ابن أخيه في عسكر لقتال بعض الأكراد فركب إليه أرغمش وأسره وبعض أصحابه وبعث إلى بغداد وطلب شملة الصلح فلم يجب إليه ثم مات أرعمش من سقطة سقطها عن فرسه وبقي العسكر مقيما ورجع شملة إلى بلاده لأربعة أشهر من سفره.